loader image

خالد ابوالمجد

الحكاية اللي غيّرت حياتي: من غرفة العمليات… لطريق إصلاح الأنظمة الصحية

في حياة أي دكتور، فيه مواقف بتفضل محفورة في الذاكرة، بتسيب أثر مش بيروح، وممكن تغيّر مسار حياته بالكامل.
أنا شخصيًا، في بداية طريقي كطبيب تخدير، اتعرضت لموقف عمري ما هنساه… يمكن هو اللي خلاني بعد سنين أغيّر مساري من علاج الأفراد لعلاج الأنظمة.

ليلة فرح انتهت بمأساة

سنة 1994، كنت لسه نائب في قسم التخدير.
في نص الليل، دخل علينا لغرفة العمليات عريس وعروسة، لسه مخلصين فرحهم، لكن القدر كتب لهم حادثة سير وهما راجعين.
المنظر كان صعب… فرحة اتحولت لحزن في ثواني.

أستاذي، أستاذ كبير في التخدير، عمل كل اللي يقدر عليه علشان ينقذهم. العريس كانت حالته مستقرة نسبيًا، لكن العروسة… حالتها سيئة جدا، وفضلنا نحاول. و بعد كل محاولات الإنعاش… العروسة فارقت الحياة.

الصدمة كانت قوية. وأنا واقف مذهول، الأستاذ بصلي وقال جملة عمري ما نسيتها:
“أنا لازم أمشي… كمل إنت النبطشية، ولو احتجت حاجة، اطلب دكتور تاني”.

وقتها حسّيت إنه بيهرب من المسئولية، وقلت لنفسي: “إزاي أستاذ كبير يسيبنا ويمشي في اللحظة دي؟”

استاذى الدكتور / عز الشاذلى

بعد 8 سنين… فهمت الحقيقة

مرت السنين، وفي 2002 كنت مسئول عن حالة بنت عندها 19 سنة، عملت عملية بسيطة لاستئصال اللوز. فجأة، حصل لها توقف قلبي.
بدأنا الإنعاش القلبي الرئوي (CPR)، وبعد دقائق، رجعت العلامات الحيوية لطبيعتها وبدأت تتنفس بشكل طبيعي.
تنفست الصعداء، وروحت لأهلها وقلت لهم: “الحمد لله، البنت بخير”.

لكن بعد ساعة، المونيتور ضرب إنذار، ورسم القلب اتحوّل لخط مستقيم.
رجعنا لمحاولات الإنعاش… لكن المرة دي ما نجحناش. البنت فارقت الحياة.

هنا انهارت أعصابي. ماقدرتش أواجه أهلها للمرة التانية. وقفت مكاني مشلول. بصيت لزمايلي وقلت نفس الجملة اللي سمعتها من أستاذي زمان:
“غطّوني… أنا لازم أمشي”.

من طبيب لــ “ضحية تانية”

من اليوم ده، اتأكدت إن المأساة مش بس بتصيب المريض وأهله، لكن بتصيب الدكتور نفسه كمان.
وهنا عرفت لأول مرة معنى مصطلح “Second Victim” أو الضحية التانية.

الضحية التانية هو مقدم الرعاية الصحية اللي بيتعرض لحدث سلبي أو خطأ طبي، ويتحول هو كمان لضحية. يعيش إحساس بالذنب، الخوف، القلق، الاكتئاب… ويمكن يوصل لدرجة الانهيار النفسي.

بداية الأسئلة… وبداية التغيير

من اللحظة دي، بدأت أسأل نفسي:

  • ليه الأخطاء الطبية بتحصل؟

  • ليه المرضى مش راضيين رغم الجهود؟

  • ليه بنصرف موارد ضخمة والنتائج مش على قد التوقعات؟

ووجدت إن الحقيقة واضحة:
“كل نظام مصمَّم بشكل مثالي علشان يدي النتايج اللي بيطلعها”.

يعني المشكلة مش في الأفراد اللي بيشتغلوا بأقصى طاقتهم… المشكلة في النظام نفسه.
إحنا بنعالج المرضى، لكن محدش فكر جدّيًا يعالج الأنظمة الصحية المريضة.


من علاج المرضى… لعلاج الأنظمة

اللي حصل غيّر حياتي بالكامل. بعد سنين، لقيت نفسي مش قادر أكمل في نفس الطريق التقليدي.
اخترت طريق مختلف: إزاي نصلّح الأنظمة؟ إزاي نمنع الأخطاء قبل ما تحصل؟ إزاي نعمل نظام صحي يخدم المريض فعلاً مش يرهقه؟

دي الرحلة اللي ما زلت ماشي فيها لحد النهارده… رحلة علاج “الأنظمة” بدل ما تفضل تعالج أعراضها.


👉 السؤال اللي عايز أسيبه معاك:
هل عمرك فكرت إن الدكتور أو الممرضة اللي واقفين جنب المريض ممكن يكونوا هما كمان “ضحايا”؟

شارك و انشر الثقافة